إرشاد ذي الأناة إلى استحباب قطع المصلي النافلة إذا كان في الركعة الأولى ،وأقيمت الصلاة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فإننا نرى بعض الناس في بعض الأحيان إذا جاءوا لصلاة الفجر , والصلاة قد أقيمت يصلون سنة الفجر و يقولون صلاة الفجر تطول فيها القراءة فيمكن اللحاق بالركعة مع الإمام وهذا مخالف للسنة، أما إذا شرع الشخص في صلاة النافلة ،و أقيمت الصلاة المكتوبة فمن العلماء من قال : يجب قطعها وإن كان في التشهد الأخير. ومن العلماء من قال: لايقطعها إلا أن يخاف أن يسلم الإمام قبل أن يدرك معه تكبيرة الإحرام ،ومن العلماء من توسط فقال : إذا أقيمت الصلاة و هو في الركعة الثانية يتمها خفيفة , وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى يقطعها ؛ ولأهمية المسألة لتعلقها بالصلاة التي هي خير موضوع كما قال r: « الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر »[1] أحببت في كتابة بحث فيها ، وأسميته : (( إرشاد ذي الأناة إلى استحباب قطع المصلي النافلة إذا كان في الركعة الأولى ،وأقيمت الصلاة )) ،وكان هذا البحث مكونا من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فالله و رسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه والصلام عليكم ورحمة الله .
تمهيد : تعريفات لابد منها : الأحكام الشرعية هي الأحكام المتلقاة من الشرع أي التي أخذناها من الشرع ، و الشرع هو ما أنزله الله من الأحكام ،والأحكام التي أنزلها الله منها ما يتعلق بالعلم بأركان الإيمان ،وتسمى أحكام علمية أو عقدية ،ويختص بها علم العقيدة ومن الأحكام التى أنزلها الله ما يتعلق بكيفية العمل من عبادات ومعاملات (أفعال المكلفين ) وتسمى الأحكام العملية ،ويختص بها علم الفقه ، ومن الأحكام التى أنزلها الله ما يتعلق بسلوك الناس مع أنفسهم ومع غيرهم وتسمى الأحكام التهذيبية ويختص بها علم الأخلاق أو الآداب أو السلوك فالخلاصة أن الأحكام الشرعية ثلاثة : أحكام علمية وأحكام عملية وأحكام تهذيبية . والأحكام العملية من العبادات والمعاملات منها ما أمر الشرع بفعلها ومنها ما أمر الشرع بتركها ومنها ما سكت عنها ، وما أمر الشرع بفعله إما أن يكون على سبيل الإلزام بفعله ،ويسمى ( الواجب أو الفرض ) أو يكون على سبيل التخيير في فعله ،ويسمى ( المندوب أو المستحب ) وما أمر الشرع بتركه إما على سبيل الإلزام بتركه ويسمى الحرام وأما على سبيل التخيير في تركه ويسمى المكروه ،وما سكت عنه الشرع فالإنسان مخير في فعله أوتركه ،ويسمى المباح ،والواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام بالأحكام التكليفية الخمسة .
فصل1 : كراهة الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة :
نرى بعض الناس في بعض الأحيان إذا جاءوا لصلاة الفجر , والصلاة قد أقيمت , يصلون سنة الفجر فإذا أنكر عليهم يقولون : إن صلاة الفجر تطول فيها القراءة , ويمكننا اللحاق بالركعة مع الإمام وهذا مخالف للسنة ، لقوله r: « إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة »[2] وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى النهي عن الشُّرُوعِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا ، ومن المقرر في الأصول أن النهي يفيد التحريم ما لم تأت قرينة صارفة ،وذلك لأن صيغة النهي موضوعة في اللغة للدلالة على التحريم فيفهم منها عند الإطلاق[3] ، وعلى ما أصلناه فالحديث دال على تحريم الشُّرُوعِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ إلا أن تأت قرينة تصرفه ،وقد وجدت هذه القرينة فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ: « آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا »[4] ففي الحديث إنكار النبي لصلاة الرجل النافلة ،وقد أقيمت صلاة الفجر، أي إنكار اِفْتِتَاح نَافِلَة بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة ، ولو كانت صلاة الرجل النافلة بعد إقامة الصلاة حرام لا تجوز ما تركه r يتمها ،ولو كانت صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة باطلة ما أقره عليها بقوله ( آلصبح أربع ؟ )أي أنه صلى النافلة وصلى الفرض لذلك فهو قد صلى أربع ركعات ، ولو كانت صلاة النافلة باطلة لكان الرجل قد صلى ركعتين ،وليس أربع ركعات فتبين من هذا أن صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة صحيحة مع الكراهة أي الأولى تركها ،وممن قال بالكراهة مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ و َمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ [5].
فصل 2: اختلاف العلماء في قطع النافلة إذا شرع المصلي فيها وأقيمت الصلاة:
اختلف العلماء في قطع المصلي النافلة إذا شرع فيها ،وأقيمت الصلاة فمنهم من قال يتم ، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين ، منهم : النخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، حملاً للنهي عَلَى الابتداء دون الاستدامة ، ومنهم من قال يقطعها ، وَهُوَ قَوْلِ سَعِيد بْن جبير ، وَقَالَ الثوري : إذا كَانَ يتطوع فِي المسجد ، ثُمَّ أقيمت الصلاة فليسرع الصلاة حَتَّى يلحق الإمام[6] ،وقال ابن باز : ( إذا أقيمت الصلاة وبعض الجماعة يصلي تحية المسجد أو الراتبة ، فإن المشروع له قطعها والاستعداد لصلاة الفريضة ، لقول النبي r : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[7]. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يتمها خفيفة لقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[8]وحملوا الحديث المذكور على من بدأ في الصلاة بعد الإقامة . والصواب القول الأول ، لأن الحديث المذكور يعم الحالين ولأنه وردت أحاديث أخرى تدل على العموم وعلى أنه r قال هذا الكلام لما رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم الصلاة )[9] ، وقال الشيخ صالح الفوزان إذا أقيمت الصلاة والمسلم في نافلة شرع فيها قبل الإقامة فالأحسن أن يكملها خفيفة ولا يقطعها لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ )[10] ،وقال ابن عثيمين : ( إذا صليت ركعة من النافلة وقمت إلى الثانية ثم أقيمت الصلاة فكملها خفيفة , وإن أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها, ودليل هذا القول الراجح مركب من دليلين قال تعالى: ﴿ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) [11] . فإذا كنت أدركت الركعة وقمت إلى الثانية فقد أدركت الركعة قبل وجود شرط النهي ؛ لأن النهي عن النافلة يكون إذا أقيمت الصلاة , فأنت الآن صليت ركعة قبل أن يقيم فقد صليت ركعة مأذوناً فيها ؛ لأنها قبل إقامة فتكون أدركت ركعة من الصلاة فأدركت الصلاة فأتمها خفيفة,إما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فإنك تقطعها ؛ لأنك لم تدرك ركعة قبل وجود شرط النهي.وهذا القول وسط بين القولين )[12] وأجاب القائلون بقطع الصلاة عن الآية بأن الآية الكريمة عامة وحديث : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[13]خاص والخاص يقدم على العام إلا إذا كان في آخر صلاة النافلة قد ركع الركوع الثاني أو في السجود أو في التحيات فإنه يتمها ، لأن أقل الصلاة ركعة ولم يبق إلا أقل منها فإتمامها لا يخالف الحديث المذكور .
فصل3 :ترجيح القول باستحباب قطع المصلي النافلة إذا كان في الركعة الأولى وأقيمت الصلاة : يستحب للمصلي إذا كان في الركعة الأولى من النافلة ،وقد أقيمت الصلاة أن يقطعها لِيَتَهَيَّأَ لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ دليله أن صلاة الصبح قد أقيمت فرأى رسول الله rرجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال أتصلي الصبح أربعا[14] ففي هذا الحديث إنكار النبي rاِفْتِتَاح نَافِلَة بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة ،ولو كان صلاة الرجل النافلة بعد إقامة الصلاة حرام لا تجوز ما تركه r يتمها ، وما أقره عليها بقوله ( آلصبح أربع ؟ ) ،ويدخل في النهي إتمام المصلي النافلة ،وهو في الركعة الأولى ،وقد أقيمت الصلاة لاشتراكهما في نفس علة الحكم فسبب الحكم هو عدم تشاغلَ الإنسانُ بالنافلةٍ عن الجماعةُ ،وإدراك جزء من الفرض خير من إدراك جزء من النفل و لكي يَتَهَيَّأَ الشخص لإدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ،ولو شَرَعَ الشخص بالنَّافلةِ بعدَ أنْ يبدأَ المقيمُ بالإقامة ِ، فإنَّه لن ينتهيَ منها غالباً إلا وقد شَرَعَ النَّاسُ في صلاةِ الجماعةِ ،وكذلك لو كان في الركعة الأولى من النافلة فإنَّه لن ينتهيَ منها غالباً إلا وقد شَرَعَ النَّاسُ في صلاةِ الجماعةِ ،وأيضا حديث : (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) [15]يدل على أن الشخص إِنْ صَلَّى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدْرِكًا لِوَقْتِهَا وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ وَقْتِهَا ،والذي في الركعة الأولى من النافلة ،وأقيمت الصلاة فهو لم يدرك من الوقت ما تدرك به الصلاة فالنهي عن النافلة يكون إذا أقيمت الصلاة أما إن كان الشخص في الركعة الثانية أو شرع في الركعة الثانية فيكون قد أدرك ركعة من صلاة النافلة قبل الحظر والمنع . وإذا أدرك ركعة قبل الحظر والمنع فقد أدرك الصلاة , وصارت الصلاة كلها غير ممنوعة فيتمها خفيفة عملا بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[16] فالصلاة قد أدرك الشخص وقتها قبل الحظر بإدراكه ركعة منها فيستحب له أن يتمها عملا بالآية ،ومن أنكر عليهم النبي r صلاة النافلة ،وقد أقيمت الصلاة لم يكونوا قد أتموا ركعة من النافلة قبل الإقامة فهم إما كانوا في الركعة الأولى من صلاة النافلة أو استفتحوا صلاة النافلة و الصلاة قد أقيمت لذلك كان يقول النبي r : آلصبح أربعا ؟ أو يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا أو أتصلي الصبح أربعا.
الخاتمة : افتتاح صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة مخالف للسنة ، لقول النبي r : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[17]. وقد كره ذلك جمهور العلماء ، و إذا شرع الشخص في صلاة النافلة ،و أقيمت الصلاة المكتوبة ،وهو في الركعة الثانية يستحب له أن يتمها خفيفة عملا بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[18] , وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى يستحب له أن يقطعها ؛ لأن رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ: « آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا »[19]هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،
[1]- صحيح الجامع الصغير للألباني قال حديث حسن رقم 3870
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فإننا نرى بعض الناس في بعض الأحيان إذا جاءوا لصلاة الفجر , والصلاة قد أقيمت يصلون سنة الفجر و يقولون صلاة الفجر تطول فيها القراءة فيمكن اللحاق بالركعة مع الإمام وهذا مخالف للسنة، أما إذا شرع الشخص في صلاة النافلة ،و أقيمت الصلاة المكتوبة فمن العلماء من قال : يجب قطعها وإن كان في التشهد الأخير. ومن العلماء من قال: لايقطعها إلا أن يخاف أن يسلم الإمام قبل أن يدرك معه تكبيرة الإحرام ،ومن العلماء من توسط فقال : إذا أقيمت الصلاة و هو في الركعة الثانية يتمها خفيفة , وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى يقطعها ؛ ولأهمية المسألة لتعلقها بالصلاة التي هي خير موضوع كما قال r: « الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر »[1] أحببت في كتابة بحث فيها ، وأسميته : (( إرشاد ذي الأناة إلى استحباب قطع المصلي النافلة إذا كان في الركعة الأولى ،وأقيمت الصلاة )) ،وكان هذا البحث مكونا من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فالله و رسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه والصلام عليكم ورحمة الله .
تمهيد : تعريفات لابد منها : الأحكام الشرعية هي الأحكام المتلقاة من الشرع أي التي أخذناها من الشرع ، و الشرع هو ما أنزله الله من الأحكام ،والأحكام التي أنزلها الله منها ما يتعلق بالعلم بأركان الإيمان ،وتسمى أحكام علمية أو عقدية ،ويختص بها علم العقيدة ومن الأحكام التى أنزلها الله ما يتعلق بكيفية العمل من عبادات ومعاملات (أفعال المكلفين ) وتسمى الأحكام العملية ،ويختص بها علم الفقه ، ومن الأحكام التى أنزلها الله ما يتعلق بسلوك الناس مع أنفسهم ومع غيرهم وتسمى الأحكام التهذيبية ويختص بها علم الأخلاق أو الآداب أو السلوك فالخلاصة أن الأحكام الشرعية ثلاثة : أحكام علمية وأحكام عملية وأحكام تهذيبية . والأحكام العملية من العبادات والمعاملات منها ما أمر الشرع بفعلها ومنها ما أمر الشرع بتركها ومنها ما سكت عنها ، وما أمر الشرع بفعله إما أن يكون على سبيل الإلزام بفعله ،ويسمى ( الواجب أو الفرض ) أو يكون على سبيل التخيير في فعله ،ويسمى ( المندوب أو المستحب ) وما أمر الشرع بتركه إما على سبيل الإلزام بتركه ويسمى الحرام وأما على سبيل التخيير في تركه ويسمى المكروه ،وما سكت عنه الشرع فالإنسان مخير في فعله أوتركه ،ويسمى المباح ،والواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام بالأحكام التكليفية الخمسة .
فصل1 : كراهة الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة :
نرى بعض الناس في بعض الأحيان إذا جاءوا لصلاة الفجر , والصلاة قد أقيمت , يصلون سنة الفجر فإذا أنكر عليهم يقولون : إن صلاة الفجر تطول فيها القراءة , ويمكننا اللحاق بالركعة مع الإمام وهذا مخالف للسنة ، لقوله r: « إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة »[2] وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى النهي عن الشُّرُوعِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا ، ومن المقرر في الأصول أن النهي يفيد التحريم ما لم تأت قرينة صارفة ،وذلك لأن صيغة النهي موضوعة في اللغة للدلالة على التحريم فيفهم منها عند الإطلاق[3] ، وعلى ما أصلناه فالحديث دال على تحريم الشُّرُوعِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ إلا أن تأت قرينة تصرفه ،وقد وجدت هذه القرينة فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ: « آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا »[4] ففي الحديث إنكار النبي لصلاة الرجل النافلة ،وقد أقيمت صلاة الفجر، أي إنكار اِفْتِتَاح نَافِلَة بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة ، ولو كانت صلاة الرجل النافلة بعد إقامة الصلاة حرام لا تجوز ما تركه r يتمها ،ولو كانت صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة باطلة ما أقره عليها بقوله ( آلصبح أربع ؟ )أي أنه صلى النافلة وصلى الفرض لذلك فهو قد صلى أربع ركعات ، ولو كانت صلاة النافلة باطلة لكان الرجل قد صلى ركعتين ،وليس أربع ركعات فتبين من هذا أن صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة صحيحة مع الكراهة أي الأولى تركها ،وممن قال بالكراهة مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ و َمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ [5].
فصل 2: اختلاف العلماء في قطع النافلة إذا شرع المصلي فيها وأقيمت الصلاة:
اختلف العلماء في قطع المصلي النافلة إذا شرع فيها ،وأقيمت الصلاة فمنهم من قال يتم ، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين ، منهم : النخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، حملاً للنهي عَلَى الابتداء دون الاستدامة ، ومنهم من قال يقطعها ، وَهُوَ قَوْلِ سَعِيد بْن جبير ، وَقَالَ الثوري : إذا كَانَ يتطوع فِي المسجد ، ثُمَّ أقيمت الصلاة فليسرع الصلاة حَتَّى يلحق الإمام[6] ،وقال ابن باز : ( إذا أقيمت الصلاة وبعض الجماعة يصلي تحية المسجد أو الراتبة ، فإن المشروع له قطعها والاستعداد لصلاة الفريضة ، لقول النبي r : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[7]. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يتمها خفيفة لقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[8]وحملوا الحديث المذكور على من بدأ في الصلاة بعد الإقامة . والصواب القول الأول ، لأن الحديث المذكور يعم الحالين ولأنه وردت أحاديث أخرى تدل على العموم وعلى أنه r قال هذا الكلام لما رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم الصلاة )[9] ، وقال الشيخ صالح الفوزان إذا أقيمت الصلاة والمسلم في نافلة شرع فيها قبل الإقامة فالأحسن أن يكملها خفيفة ولا يقطعها لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ )[10] ،وقال ابن عثيمين : ( إذا صليت ركعة من النافلة وقمت إلى الثانية ثم أقيمت الصلاة فكملها خفيفة , وإن أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها, ودليل هذا القول الراجح مركب من دليلين قال تعالى: ﴿ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) [11] . فإذا كنت أدركت الركعة وقمت إلى الثانية فقد أدركت الركعة قبل وجود شرط النهي ؛ لأن النهي عن النافلة يكون إذا أقيمت الصلاة , فأنت الآن صليت ركعة قبل أن يقيم فقد صليت ركعة مأذوناً فيها ؛ لأنها قبل إقامة فتكون أدركت ركعة من الصلاة فأدركت الصلاة فأتمها خفيفة,إما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فإنك تقطعها ؛ لأنك لم تدرك ركعة قبل وجود شرط النهي.وهذا القول وسط بين القولين )[12] وأجاب القائلون بقطع الصلاة عن الآية بأن الآية الكريمة عامة وحديث : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[13]خاص والخاص يقدم على العام إلا إذا كان في آخر صلاة النافلة قد ركع الركوع الثاني أو في السجود أو في التحيات فإنه يتمها ، لأن أقل الصلاة ركعة ولم يبق إلا أقل منها فإتمامها لا يخالف الحديث المذكور .
فصل3 :ترجيح القول باستحباب قطع المصلي النافلة إذا كان في الركعة الأولى وأقيمت الصلاة : يستحب للمصلي إذا كان في الركعة الأولى من النافلة ،وقد أقيمت الصلاة أن يقطعها لِيَتَهَيَّأَ لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ دليله أن صلاة الصبح قد أقيمت فرأى رسول الله rرجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال أتصلي الصبح أربعا[14] ففي هذا الحديث إنكار النبي rاِفْتِتَاح نَافِلَة بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة ،ولو كان صلاة الرجل النافلة بعد إقامة الصلاة حرام لا تجوز ما تركه r يتمها ، وما أقره عليها بقوله ( آلصبح أربع ؟ ) ،ويدخل في النهي إتمام المصلي النافلة ،وهو في الركعة الأولى ،وقد أقيمت الصلاة لاشتراكهما في نفس علة الحكم فسبب الحكم هو عدم تشاغلَ الإنسانُ بالنافلةٍ عن الجماعةُ ،وإدراك جزء من الفرض خير من إدراك جزء من النفل و لكي يَتَهَيَّأَ الشخص لإدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ،ولو شَرَعَ الشخص بالنَّافلةِ بعدَ أنْ يبدأَ المقيمُ بالإقامة ِ، فإنَّه لن ينتهيَ منها غالباً إلا وقد شَرَعَ النَّاسُ في صلاةِ الجماعةِ ،وكذلك لو كان في الركعة الأولى من النافلة فإنَّه لن ينتهيَ منها غالباً إلا وقد شَرَعَ النَّاسُ في صلاةِ الجماعةِ ،وأيضا حديث : (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) [15]يدل على أن الشخص إِنْ صَلَّى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدْرِكًا لِوَقْتِهَا وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ وَقْتِهَا ،والذي في الركعة الأولى من النافلة ،وأقيمت الصلاة فهو لم يدرك من الوقت ما تدرك به الصلاة فالنهي عن النافلة يكون إذا أقيمت الصلاة أما إن كان الشخص في الركعة الثانية أو شرع في الركعة الثانية فيكون قد أدرك ركعة من صلاة النافلة قبل الحظر والمنع . وإذا أدرك ركعة قبل الحظر والمنع فقد أدرك الصلاة , وصارت الصلاة كلها غير ممنوعة فيتمها خفيفة عملا بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[16] فالصلاة قد أدرك الشخص وقتها قبل الحظر بإدراكه ركعة منها فيستحب له أن يتمها عملا بالآية ،ومن أنكر عليهم النبي r صلاة النافلة ،وقد أقيمت الصلاة لم يكونوا قد أتموا ركعة من النافلة قبل الإقامة فهم إما كانوا في الركعة الأولى من صلاة النافلة أو استفتحوا صلاة النافلة و الصلاة قد أقيمت لذلك كان يقول النبي r : آلصبح أربعا ؟ أو يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا أو أتصلي الصبح أربعا.
الخاتمة : افتتاح صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة مخالف للسنة ، لقول النبي r : ( إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )[17]. وقد كره ذلك جمهور العلماء ، و إذا شرع الشخص في صلاة النافلة ،و أقيمت الصلاة المكتوبة ،وهو في الركعة الثانية يستحب له أن يتمها خفيفة عملا بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾[18] , وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى يستحب له أن يقطعها ؛ لأن رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ: « آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا »[19]هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،
[1]- صحيح الجامع الصغير للألباني قال حديث حسن رقم 3870